الثلاثاء، 29 أكتوبر 2024

حول رواية مدرسة الثراء يليق بالنساء لرباب الناجي- ريبر هبون

"حول رواية مدرسة الثراء يليق بالنساء لرباب الناجي"

 

*ريبر هبون

 

في مطلع الرواية بدا السرد مكتظاً بالغموض بلغة المخاطب، وهذا السرد من شأنه تغيير مسار العمل وتحديد جنس العمل الأدبي وإخبارنا أننا أمام ضرب من ضروب التخاطر الذاتي والتداعي الحر، وهذا سيجعل القارئ يشعر برغبة ضئيلة في المتابعة لغياب الحبكة الحكائية، هذا ما يسمى بالسرد المنفلت عن عقاله، حيث تخوض بلغة شعرية ونثرية في زحمة الأفكار والصور دون وجود خيوط واضحة تمثل إشارات لفهم هذا العمل الذي من المفترض أن يكون رواية حسب تحديد الكاتبة لجنس عملها، حيث يمكن التعامل مع النص هنا على أنه مفتوح على الخاطرة أكثر، حيث لابد من شخصيات واضحة في الرواية وإن بدت حديثة في اعتمادها على تلك التداعيات التي تخطر في النفس على نحو غير منتظم إلا أن ذلك يجعلها ضمن الحقل الشعري ولهذه النصوص جمالية فنية بالطبع ، عندما يسود النص ذلك السرد المبهم المتشعب والمتسم بفوضاه ولا انتظامه تصبح وظيفة النقد هنا الإشارة إلى وجوب وجود أفكار منتظمة وقبلها إطلاع واسع على طرائق تناول الرواية قديمها وحديثها، حيث الكتابة مسؤولية وتتحدد وظيفة المؤلف في أن يكون لديه هدف مما يكتبه، ومما لاشك فيه فإن تهافت كتّاب اليوم نحو كتابة الروايات لا يعني بالضرورة مقاربتهم لهذا الفن وقواعده، وإنما لابد من وجود نقد حقيقي عملي يفصل بين هذه الكتابات ويفرزها أيها ينتمي لجنس الرواية وإيها ينحاز للنص المفتوح الذي يقول بوحدة الأجناس الأدبية، فالكاتبة رباب الناجي ساردة جيدة لما يعم النفس من فيوضات وأفكار تلتقي أحياناً مع النثر وتارة مع الشعر ، فهذه الفوضى في سرد المواجع والأحلام والهواجس والرغبات تمتاز بوجود فنية ماتعة في تلابيبها، حيث يقتضي النقد الهادف في هذا الصدد أن تتم مراجعة تلك الكتابات وإعانة الكاتب على تحقيق  أعمال جادة تمتاز بحيويتها فهمهما ووعيها بدواعي الكتابة ، فكتّاب اليوم المتهافتين لعالم الرواية كي يحوزوا ببساطة على لقب روائيين دخلوا في فخاخ الكتابة المنتمية لمذهب وحدة الأجناس الأدبية  وتمت محاباة ومجاملة غالبهم بضروب القراءات الصحفية الإنطباعية العابرة وأبقت بعضهم في حالة من الزهو والانتشاء حالت دون أن تتطور لغتهم حيث أغلقوا أعينهم عن الذين يحاولون إعانتهم على كتابة أفضل وذلك بالإشارة إلى مكامن القوة والضعف في آن حتى يتم تداركه في قادم الأيام، وذلك يحدث بوجود نقد منصف يتناول العمل الموضوع بمعزل عن مؤلفه،حيث أننا أمام بيئة أدبية تعج بالكثير من الكتابات التي ينشد أصحابها الشهرة السريعة السهلة أمام ندرة النقد أو غيابه، لنتأمل هنا ص 32 :


"أردت كثيراً ادعاء الأمر من أجلي لمرة وفقط، إنه انتهى ثم انتظرت، لكن لم يهذبك الفراق كما هذبني الحزن بفقدك ، كنت معها أمامي تماماً بينما هي بي دائماً، ثم لم أجد رصاصة أقتلني بها لأستريح، فقتلنا معاً مرة بعد مرة في سطور."

هذه عينة  حول انغلاق النص ضمن ذاتية مغلقة تستدعي هموماً، أفكاراً وهواجس تفتقد الجدة والتميز في طرحها،حيث تلوك أحداثاً تنتمي للماضي.

 

خلاصة:

إنها تجربة الشاعرة رباب الناجي الأولى ومحاولتها في إخراج رواية، بيد أنها لم تخرج من عباءة الشعر والنص النثري وإنما نجد همس الأرواح بادياً في مكامن النص تحاكي عالماً مملوء بشغب الأحاسيس وفوضى المشاعر وإن أشارت لأسماء شخوص وبشكل عابر إلا أنها انحازت أكثر لهذا التخاطر الذي هيمن على الكتاب من أوله لمنتهاه.

الاثنين، 15 يوليو 2024

Dilopek rehnî li ser pirtûka deftera lêkolînan a nivîskar Cankurd- Rêber Hebûn

Dilopek renhî li ser pirtûka Deftra lêkolînan a nivîskar Cankurd
Rêber Hebûn
Ev pirtûk berî xwe dide ware lêkolînê û di pêşî de dîroka êlên wek nimûne êla Celaliyan û vegûhêztinên wan, zimanê vê lêkolînê li dor gera li zikmakiya hinek êlan dizîvire, heta çi radeyê an astî ew Kurd in li ser bîngeha peywendiyên wan bi cîran û derdoran re,tiştê dive mirov bîne ziman ku bêhtirî van lêkolînan ji zimanê hin rûsipiyan ve hatibû wergirtin, ji ber xebatên nivîskî li ser mijarê êlan gelekî hindik e, bêhtirî wê ji devê kalan ve hatibûye wergirtin, lewre ew çîrok dibe pir caran cihê gumaniyê, gelo heta çi radeyê ew an lêveger rast in.
Rû 31 :( peyva Kurd nêzîka 5000 sal kevin e û yek ji kevintirîn peyvên dîrokê tê jimartin.)
Nivîskar di vê derbarê de dibêje ku Somerî û Ekadî ew ev nav anîbûn ziman ji ber ku li Mêzopotamiyayê jiyabûn, bervajî dîtina lêkolîner Selah sead Eldîn a vê têkiliyê di navbera Kurd û Someriya nabîne ji sedema ku Kurd piştî fermandariya Someriya  bi 1000 salî hatibûn e bakûrê Îraqê a navê xwe niha Kurdistana başûr e.
Lê nivîskar Xalis Misewwer di gotareke xwe de bi ser nave gotarên Kurdî di derbarê zimanê Somerî de wiha dibêje : (Somerî  ew ji kevintirîn gellên naskirî ne ên li warên di navbera herdû çeman de niştecîbûn.) –/ Malpera Welatê me 05.04.2009 ev gotar hatibû weşandin./
Bi vî rengî ew bi Cankurd re li ser vê babetê lihev dike.
Li deriyeke din Cankurd qala kedên zanyaran dike di warê mijolbûnê de bi rewşa Kurdan ve mînak: nivîskar Golmorad Moradî ,di vê pirtûkê de bi sernavê: deftera lêkolînan mirov mijarên cûr bi cûr dibîne, hin bi efsan , welat, êl û kesayetên zanyarî ve girêdayî ne,di çarçoveya xwendineke kurt de mîna vê xwendinê naye kurtaskirin, lê diyar dibe ked û êmega nivîskar bi lêdana gelek derî û vekirina gelek mijaran,helbet Cankurd hewil dide bi qasî jê tê bighe lutkeya dagirtina lêkolînê bi zanyariyên nû, derbasî serdema Eyûbiyan dibe, bêhtir sedema fermandariya Selahedîn Eleyûbî têde berferehbûnekê çêkiriye,mînak di pesindayîna kesayeta Şeceretûdurr, wiha Cankurd li ser gotiye: Rû 119:
( Şeceretûdûrr cariyek ji cariyên Necmiddînê Eyûbî bû Sultanê Elsalêh ,tê gotin ku ew Ermen an Çerkez bû , hinek jî dibêjin ew Turk an Romanî bû, nave wê hinde caran Şeceretûdûrr tê nivîsandin, lê guman nîne ku ew di malbata Eybûbiyan de hatiye fêrkirin û xwedîkirin.)
Şêweya hunandina hevokan li cem nivîskar gellekî rehet û hêsan e, mirov dikare têbighe, helbet ev pirtûk dibe jêderekî ku her lêkolînvanekî dikare ji xwe re wê bike palpişt ji bo lêkolîneke bi rêk û pêk ve û bi bandor ve, ji ber pirtûkxaneya Kurdî pêdiviya xwe bi babetên lêkolînan ve heye.

الأحد، 14 يوليو 2024

طاقة ضوء حول الجزء الأول من كتاب جمعية الطلبة الكورد في أوروبا للكاتب علي جعفر- ريبر هبون

طاقة ضوء حول الجزء الأول من كتاب جمعية الطلبة الكورد في أوروبا للكاتب علي جعفر
*ريبر هبون
ما ينبغي الإشارة إليه في بداية هذه القراءة وهو تجشم المؤلف عناء تأليف هذا الكتاب وانفضاض البعض عن مساعدته إما خشية أو غيرة منه، لكنه سعى بإصراره على أن يضيف للمكتبة الكوردية موضوعاً غاية في الأهمية وهو تأريخ وأرشفة النضال الكوردي في المهجر، أشار الكاتب علي جعفر إلى استقدام العثمانيين لأبناء العائلات الكوردية الارستقراطية وإبعادهم المتعمد من قبلها إلى أوروبا ليتم تسخير وجودهم كطلبة في خدمتها وذلك في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كعائلة بدرخان وجميل باشا وبابان زادة وعائلة بوجاق حيث درسوا في مختلف دول القارة الأوروبية وأمريكا، هذا يبين قدم وجود الكورد في الخارج مشيراً إلى جلادت بدرخان ومصطفى رمزي بوجاق وجانب يلدرم"غاندي الكورد" .
طريقة طرح الكاتب لهذه الوثائق وأسلوبه اتسم بالوضوح والتكثيف وتقديم المعلومات بطريقة تبعث على الرغبة في تقليب تلك الصفحات واكتشاف الآتي، يشير أيضاً لفظاعة قمع أتاتورك للشعب الكوردي في شمال كوردستان الأمر الذي كان سبباً في الهجرة للخارج.
بدأ الكاتب في ذكر جمعية الطلبة الكورد"هيفي" من ثم جمعية تقدم وتعاون كوردستان، وكذلك جمعية نشر المعارف، الهدف من كلا الجمعيتين وفق مذكرات قدري جميل باشا هو زيادة الوعي القومي بين الطلبة وتعريف قضية الكورد لللأوروبيين، حيث أشار علي جعفر لنشاط الجمعية الإعلامي وإصدارها لصحيفة" روج كورد" عرج بعد ذلك الكاتب للحديث عن سير الجمعيات الطلابية في كل من لبنان وسوريا وجنوب كوردستان وشرقها، حيث استند المؤلف على جملة من المصادر والمراجع في عرض هذا الكتاب وأولها مذكرات نور الدين زازا وكذلك كتاب للدكتور عبد الرحمن قاسملو بعنوان" كوردستان والكورد" إلى جانب كتاب نهضة الكورد الثقافية والقومية للكاتب جليلي جليل وكذلك كتاب للكاتب هوزان سليمان الدوسكي بعنوان جمهورية كوردستان الذي يعتبر دارسة تاريخية سياسية إلى جانب كتاب هام آخر يعكس مذكرات خطها عصمت شريف وانلي وكتاب البارزاني والحركة التحررية الكوردية للكاتب مسعود البارزاني وكذلك كتاب أكراد لبنان وتنظيمهم الاجتماعي والسياسي للمؤلف أحمد محمد أحمد وكتب أخرى، إن ذلك يدفع المرء للإشارة إلى دور هكذا جمعيات ببلورة الوعي القومي إزاء مجتمع يتناقص عدد أفراده على حساب استمرار الهجرة إلى أوروبا نتيجة الظروف الحالية، حيث لا تلقي الأحزاب الكوردية في غربي كوردستان بالاً لتلك الهجرة وإنما تستمر في سياستها التنازعية التي تصب في خدمة أعداء كوردستان والقضية، فالسياسة التي تتبعها تلك الأقطاب المتنازعة المتناحرة فيما بينها ساهمت في خلق مناخ لا قومي لاوطني، ودفع بالكثير من العوائل الكوردية المقيمة في الخارج لقبول الانصهار بالبوتقة الأوروبية، حيث الآلاف من الأطفال الكورد في طريقهم لتشرب القيم الأوروبية من لغة ونمط حياة وذهنية على حساب نسيان وضياع اللغة الأم أو أي روابط تمت بالوعي القومي، حيث باتت الاتحادات الثقافية نسخة محاكية للأحزاب بل قائمة بالنيابة عنها في الدفاع عنها ضد الجهة الخصم باستماتة قبلية جاهلية لا تمت للغيرية القومية بصلة، وذلك أسهم في بث عدم الثقة والتنابذ وتلويث المناخ الاجتماعي الكوردي في المهجر،فآخر يعادي الإدارة الذاتية مثالاً وينسفها نسفاً وآخر يعادي المجلس الوطني الكوردي ويشد على من يقوم بالتضييق عليها، في مثل هكذا جو عدائي لن يحبذ الطفل أو عائلته القادمة حديثاً إلا الهروب وتفضيل المناخ الأوروبي الصحي فهو العالم الجديد الخال من كل تلك الروائح الفاسدة، حيث أصبح الجيل الجديد أوروبياً في توجهاته لاعناً كوردستان والقضية واللغة والهوية ورقعة الشرق الأوسط.
أي مهام تنتظر القوميين الأصلاء في ظل هذه الحقيقة خارج معمعة التجاذبات والتنافرات الحزبية الكيدية، تأسيس جمعيات تضع نفسها على مسافة واحدة مع كل الفرقاء السياسيين، لاشك ذلك يعتبر من المهام الجسيمة الصعبة، ولعل الجهد الذي بذله علي جعفر في هذا الجزء والجزء الآخر الذي لمّا أقرأه بعد يصب في خانة البحث عن الهوية المفقودة والعمل على إحيائها، فالتحديات الكبيرة التي تقف بوجه المشروع القومي الكوردستاني ومستقبله إن في داخل الوطن أو المهجر تتمايز عن سابقاتها من حقب بضراوتها واستعصائها، فالأعداء يبذلون قصارى جهدهم للتوحد ومواجهة التطلعات الكوردستانية بما يحوي تقاربهم من عداوات سابقة وباطنة " التقارب السوري التركي" لأجل نسف مكتسبات غربي كوردستان المبنية على جماجم شهداءه الأبرار كما اجتمعوا إبان إعلان البارزاني للاستفتاء وحاولوا وأد جنوبي كوردستان وإرجاعها لما قبل 2003 ، ما أحوج شعبنا لخطاب قومي كوردستاني جامع ووازن في ظل هذا العصر الصعب فمن يؤدي المهمة بصدق؟!!
سؤالٌ يطرح نفسه على أعتاب هذا البحث الذي يُشكر مؤلفه على إخراجه بهذه الضخامة وهذا الجهد غير المسبوق على صعيد البحوث المعنية بحراك الجمعيات الكوردية في المهجر، وهذا يستدلنا للنقاش بنقطة أخرى متصلة بهذا الحراك والمتعلق بالدبلوماسية الكوردية التي لا تزال غائبة وقد أشار الكاتب إلى وجوب قراءة الواقع الكوردي ووجوب توطيد الروابط المعنوية الفكرية والثقافية بين مختلف المناطق الكوردية.
الخطاب الكوردستاني القومي الأصيل لا يلق هماً او اهتماماً للميول اليسارية المقوضة للحس القومي ويحاول الالتفات أكثر حول القضية التفاتة الأم في احتضان وليدها الجديد والعناية به، وقد أشار المؤلف علي جعفر إلى التاريخ الدقيق لانطلاقة حركة الطلبة الكورد عام 1949 على يد مؤسسها الفعلي نور الدين زازا بمشاركة كل من عصمت شريف وانلي وشوكت عقراوي.
الكتاب لا يزال بين يدي وقد أنهيت مئة صحفة منه وأحببت لفت الأنظار حوله كي يقبل عليه كل مهتم بهذا الشأن ودامت جهود ذوي الأقلام زلفى للحرية والخلاص.

الخميس، 11 يوليو 2024

تمهيد لكتاب نقد السياسة الكوردية غربي كوردستان أولا- ريبر هبون

تمهيد لكتاب نقد السياسة الكوردية "غربي كوردستان أولاً"
*ريبر هبون
بمجرد كتابتي للمقدمة وحيازتها على فسحة من الآراء حولها والتي وجدتها متباينة فمن زاعم لخطورة الطرح الذي أقدمه وآخر يدعوني للتفريق بين الطرف السياسي الذي أضر بالقضية والآخر المتماسك إلى حد ما والملتزم بالقضية القومية، تيقنت مدى حالة اغتراب الروجآفائي عن المشهد المتصل بجغرافيته، وقد تربى جمهور الطرفين الأبوجي والبارزاني على اتهام بعضيهما ولعقود بأنهم ضد القضية الكوردية ، ذلك طبيعي بسبب الدماء التي أسيلت من الطرفين في حروب الاقتتال ، فلا يمكن اعتبارهما أخوة تماماً أو أعداء تماماً لاسيما وأن وجود كل منهما نتيجة ظروف سياسية مرتبطة بنمط تمأسسهما وعقليتهما المختلفتين فإحداهما شرب من نبع الفكر اليساري الأممي البعيد عن الفكر القومي التقليدي الذي يتزعمه القطب البارزاني ، هذا التموضع وليد الحالة السياسية ومخاضاتها التي جعلتهما على طرفي نقيض ، ولهذا رأيت من أن الوقوع في مجال المفاضلة بين السياستين أمر لا طائل أو جدوى منه بالنسبة للموضوع الذي أتناوله على نحو مباشر، حيث وضعت نصب عيني الانفتاح أكثر حول وجود بديل لتلك النظرة الاتهامية التي تختزل فحوى فرّق تسد، وذلك ببناء ذهنية سياسية واقعية بمنأى عن حالة التنازع تلك والقائلة بوجوب إزالة كافة مظاهر الانتداب الايديولوجي القادم خارج حدود روج آفا كوردستان على الشعب، انه أشبه بنظام وصاية وضع غشاوة سميكة على بصيرة الفرد المؤدلج ، أو ما يمكن أن نسميه باستعمار العقل الروجآفائي، تحول لرؤية واقع أفضل والذهاب باتجاهه، يبدأ ذلك التوجه بترسيخ الايمان بخصوصية قضية غربي كوردستان وتمايزها عن قضية الأجزاء الأخرى وكذلك اختلاف واقعها عن واقع جنوب كوردستان المتجه للأسلمة كحال شمالي كوردستان الرازح تحت هيمنة حزب العدالة التركي المباشر من خلال ذيلها حزب بار الكوردي، وشرق كوردستان الرازح تحت نير الخطاب الشيعي الخاص بحكومة ملالي إيران.

  نظرة للجغرافية: -
جغرافية غربي كوردستان تتشكل من ثلاث أقاليم تتمايز عن بعضها من حيث اللهجات وطريقة التوزع السكاني وكذلك تباين تعامل النظام السوري معها تبعاً لتموضع كل منطقة جغرافية.
 
-منطقة الجزيرة: 

والتي نجد انها اقليم شبه متصل ببعضه عانى منذ عقود ماقبل حكم البعث ولغاية انسحابه النسبي 2011 من التمييز وتجريد الكثير من المواطنين عن جنسيتهم إلى جانب توطين العرب الغمر في مناطقهم وكذلك تعريبها وتجريد الأهالي من ملكيتهم لأراضيهم لصالح المستوطنين، الأمر الذي شكل بيئة عنوانها الاحتقان واللااستقرار ناهيك عن اضطرار الكثيرين لترك الجزيرة مهاجرين إلى دمشق بسبب ظروف التمييز والاضطهاد والفقر. 

-منطقة كوباني: 

وقد تم تعريب ما حولها من نواحي كناحية شيخلر بالعربية الشيوخ، كرى سبي المعربة تل أبيض وصرين، اذن مايحيط المنطقة كلها بلدات عرّبت بمنهجية وتم استقدام العرب إليها وانحسر الوجود الكوردي فيها حتى بتنا نرى هجرة الكورد منها لمناطق وجدوا أن الاستقرار بها أفضل من حيث الخدمات والمعيشة 
كمنبج الرقة ودمشق. 
حيث وعلى الرغم من قرب نهر الفرات من كوباني إلا أن الأهالي ظلوا يشتكون قلة المياه مما اضطروا في بعض الأحيان لشرائها ولم يك من المسموح بناء الأبنية الحديثة. 
-منطقة عفرين المحتلة حالياً:ً

ولقرب المدينة من حلب ولكونها مصدر للزيت والزيتون ولأنها منطقة جذب سياحي فقد اعتمد النظام السوري سياسة الصهر ببوتقتها ونجحت إلى حد كبير في ذلك إلى جانب استقدام الكثير من أبناء المنطقة ليعملوا كموظفين في دوائر الدولة وأفرع الأمن، الشرطة، الجيش كضباط متطوعين. 
لو نظرنا لواقع غربي كوردستان مقارنة بواقع الأجزاء الأخرى 
لاستطعنا ملاحظة الانفتاح الموجود على بقية شعوب سوريا، ولكون ذلك الجزء صغير فلم يتعرض للمجازر الكبيرة كبقية الأجزاء الأخرى. 
وقد وظف نظام حافظ الأسد الاوضاع البائسة التي مرت بها الأحزاب العسكرية الثلاثة وقامت بدعمها في فترات متباينة ضد نظام صدام بالتنسيق مع إيران وكذلك دعم حزب العمال الكوردستاني نتيجة التوتر بينه وبين تركيا ومشكلة المياه فقام النظام بدعمه وغض الطرف عن معسكراته في لبنان ومقراته في دمشق وإعطاءه الضوء الأخضر والصلاحية الكاملة لتجنيد النخب الشابة وإخراجها كمقاتلين ثوريين باتجاه شمال كوردستان، وكذلك إطلاق يدها في قمع أحزاب الحركة الكوردية والتضييق على أنصارها وكذلك حصوله على تصريح كتابي من أوجلان مفاده أن أبناء غربي كوردستان هم مهاجرين أتوا إلى سوريا هرباً من الاضطهاد العثماني وكذلك الأتاتوركي لهم (كتاب نبيل ملحم سبعة أيام مع آبو)، بمعنى أنهم ليسوا سوى ضيوفاً وهذه الثورة ستجعلهم في المكان الصحيح حيث تم إطلاق تسمية الذهاب للجبال بالعودة للوطن. 
كذلك بالنسبة للديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني ظلوا يترددون لدمشق بين فترة وأخرى ولم يهتموا كثيراً بدعم الأحزاب الكردية الأخرى في غربي كوردستان إلا بشكل محدود يعود بالنفع لها في المقام الأول، وكانوا جزء من لعبة الانشقاقات التي كانت تحدث بين أحزاب الحركة الكوردية حسب رواية بعضهم، وقد وجهوا أنظارهم لجنوب كوردستان ،مطالبينهم بتقديم مايلزم للشعب الكوردي الذي يقاوم نظام صدام حسين هناك، حيث باتت تلك التناقضات بين تلك الأحزاب الثلاث بمثابة مصادر إلهاء استنزفت روج آفا وبنيتها وطاقات شبابها إلى يومنا هذا،بمعنى أن تلك الأحزاب المسلحة وجهت كورد غربي كوردستان لدعمها ولم تخبرهم بضرورة الالتفات لقضيتهم أو لجزئهم الذي ينتمون إليه، لم يكن وجود غربي كوردستان كأرض يشغلهم بمقدار كفاحهم في الجزء الذي ينتمون إليه ويكافحون لأجله ولم يقتدي كورد غربي كوردستان بتجربتهم بل كانوا يتوجهون حيثما ذهبت البوصلة إن نحو الاقتتال أو التباغض وتم تلقين الشعب ذلك بشكل يجعل عودة الناس للتفكير بمستقبل جغرافيتها صعباً للغاية.
يمكن فهم حالة الاستذئاب السياسي بين الكورد من منطق الحياة القبلية التي تحكم العقلية الكوردية الميالة للتصادم وقد تم تكريس مفهوم الجنوب الصغير أو غربي كوردستان كملحق وبذلك بات الروجآفائي ملحقاً وتابعا ً ولا يجيد إدارة نفسه بنفسه بمعزل عن الإملاءات خارج جغرافيته حيث يظهر عجزه من خلال رغبته في أن يلاقي استحسان وثناء حكام هولير وقنديل؛ البديل لتلك التبعية هو التفكير خارج الصندوق، وإعادة الثقة بالنفس وتقدير الذات، البحث عن الكاريزما القيادية أو إيجاد رموز يقتدى بها سواء ان كانوا ساسة أو كتاب أو فنانين أو جنرالات الأهم أن يكونوا من الشعب من اقليم غربي كوردستان بالذات.
ولا بد من استبدال تقديس الرموز القومية خارج حدود الاقليم برموز كردية لقادة ضمن الاقليم إذا كان لابد من التقديس كون العقل الكوردي جزء من ذهنية شرق أوسطية تميل للتقديس والتأليه ورسم تصور مبالغ فيه للشخصية التي تتعلق بها سواء دينياً أو قومياً 
لا أريد أن يفهم توجهي الاقليمي هنا على أنه دعوة للمناطقية أيضاً 
المناطقية جرم والمناطقيون مجرمون بحق الهوية ،بحق القومية بحق الوجع 
ولا يعدون حتى العملاء بل من أرذل أرذالهم فهم يؤدون مهمة أعداء كوردستان طوعاً وعن غباء وبلا مقابل مادي. 
فقد انتشرت بضع مقولات من بعض شخصيات مشهورة ومغمورة مفادها لاتعنيني كوردستان وعفرين محتلة! 
إذا قسنا المقولة على باقي المدن الكوردية في شمال وشرق كوردستان المطموستين تحت حوافر الفرس والأتراك هذا يعني كذلك أن كوردستان لاتعنيهم طالما مدنهم محتلة 
لا يعني ذلك سوى التخبط والضياع والاستسلام لشعور الجبن والتخاذل.
الاقليمية الروجآفائية طرح يدعو أكثر لمصلحة ذلك الجزء ودعوة لبناءه وحمايته بمنجزاته ومكتسباته وكف الوصاية عليه من قبل قطبي التنازع الكورديين 
ولا تتعارض دعوتي هذه مع الحلم القومي العام بكوردستان كبرى موحدة ، بيد أن هذا الحلم يبدأ تحقيقه من الجزء انطلاقاً للكل وليس كما اعتقد البعض أن تحرر شمال كوردستان أو جنوبها أو شرقها يعني تحرر الجزء الآخر بالضرورة. 
هذه الدعوات ليست بجديدة في العالم العربي حيث نظّر أنطون سعادة لسوريا الطبيعية ودعا للتركيز عليها كما دعا طه حسين للتشبث بالهوية المصرية الفرعونية، وكما يعتقد الكثير من اللبنانيين بأنهم فينيقيون وليسوا عرباً، لكني هنا أقول أن غربي كوردستان جزء من كوردستان ككل وعلى كل كوردي في الجزء الذي يقيم فيه 
العمل على حل القضية الكردية مع الحكومة المركزية بكافة السبل المتاحة والممكنة وهذا ينطبق على الجزء الكوردستاني الذي أنتمي إليه كقومي كوردي معرفي.
تحرير الجزء يؤثر في الجزء الآخر ويسانده أما تهميش الجزء يعني تقويض العمل من أجل توحيد الكل. 
فحل القضية الكوردية يبدأ بإيمان كل كوردي بأهمية أن يعمل للاقليم الذي يعيش فيه كل لجهة تبعيته للدولة التي ألحق إقليمه بها حسب سايكس بيكو، انشغاله بغير جزئه تعطيل للجهود القومية الساعية للتحرير والحل. 
جميع الأنساق الحزبية كوردياً هي وليدة عن تأثيرات الدين، يتراءى ذلك في فهمها لآليات العمل التنظيمي وتعاملها مع الأنصار والخصوم وخوفها من التغيير وإرهابها للطرف الذي يخالفها في الرأي والتوجه بات ذلك قانوناً شرقياً يصعب الفكاك منه بيسر. 
القائد الملهم يساوي النبي 
أبناؤه وأقاربه عشيرته ، يوازون صحابة ورفاق درب النبي
قداسة الزعيم توازي قداسة الآغا الاقطاعي 
بلاغة الخطاب الحزبي الكوردي موازية لبلاغة الخطاب الديني 
اذن هي عملية تحديث للموروثات الدينية من المنظور الحزبي
حماية الفرد الكوردي من نشوة تأثير الخطاب الحزبي ضروري لجعله يتشرب السياسة الواقعية الخالية من كافيين الهلوسة العاطفية وخرافة الانتصار. 
وذلك من فهمه العقلاني المجرد لواقع كوردستان وفهم شرائحها،عشائرها، لهجاتها وتباين أقاليمها، ثمة واقع موازي للتخيلات القومية وجعلها واقعاً 
فهجرة الروجآفائيين لكل من جنوب وشمال كوردستان وضعهما أمام واقع تقسيمي 
فهم بالنسبة لشريحة كبيرة من الناس في جنوبي وشمالي كوردستان سوريين أتوا ليقاسموهم أرضهم وعملهم كحال العرب السوريين الذين فروا ولجؤوا إلى لبنان 
لم ينظر لهم كأشقاء وإنما كضيوف ثقلاء غير مرغوب بهم. 
ذلك سينقلنا للحديث عن مدى فهمنا للفكر القومي وبحث أسباب غياب رؤية واضحة له.

الأحد، 7 يوليو 2024

قراءة في كتاب الحب وجود والوجود معرفة للكاتب ريبر هبون بقلم الباحث محمد شيخو

قراء ة في كتاب الحب وجود والوجود معرفة للكاتب ريبر هبون
بقلم الباحث: محمد شيخو
( أن تشعل شمعة خيرٌ من أن تلعن الظلام )، وأن تطلق صرخة في زمن الصمت عملٌ شجاع لا يقوم به إلا ثائر مرتبط عضوياً بمجتمعه شعبه وإنسانيته ارتباط القلب بالجسد.
في هذا الكتاب يحاول الكاتب ريبر هبون أن يشعل شمعة وأن يصرخ، أملاً في مستقبل ناصع أبيض يمحو سواد تاريخ دموي في بقعة جغرافية تسمى بالشرق الأوسط، احتوت كل شيء إلا المعرفة والوعي.
يتكون الكتاب ( الحب وجود والوجود معرفة ) من اثنين وعشرين فصلاً، يمتزج فيه الفكر بالسياسة تارة وبالفلسفة تارة أخرى في لغة ناصعة واضحة تعكس وضوح الأفكار في ذهن كاتبها. 
ولعل أدق تسمية يمكن إطلاقها على ما ورد في الكتاب بالنظر إلى محتواه وأسلوب الكاتب هو البحث فالكتاب إذاً: مجموعة من البحوث الفكرية تتناول واقع الشرق الأوسط حكومات وشعوباً، وما يستشري فيه من علل وظواهر سلبية كالجهل والعنصرية والاستسلام، يرسم طريق الخلاص لشعوب مقهورة ينبغي أن يقودها ذوو الفكر والمعرفة بعد أن فشلت الأحزاب والساسة في قيادة هذه الشعوب إلى بر الأمان. 
يبدأ ريبر هبون في كتابه برسم المعركة الضارية التي كانت وما زالت بين المعرفيين والسلطات المستبدة التي تدعمها في حربها إعلام بلا أخلاق ما انفك يشوه الوقائع في غفلة عن مجتمع يفتقر إلى النقد والغربلة.
يلقي الكاتب في استعراضه لواقع التنظيمات الكوردستانية الضوء على ظاهرة اختراقها استخبارتياً، ويؤكد على تشبعها بالموروث الاستبدادي، الأمر الذي يضع هذه التنظيمات في خط مواجهة مباشرة ضد كل ذي معرفة، كما يضع الإعلام المتحالف معها في تلك المواجهة أيضاً.
بنظرة تحليلية تغوص عميقاً في الوقائع يربط الكاتب ما تمت تسميته بالربيع العربي بأطماع اقتصادية لأمريكا وروسيا ودول الجوار الإقليمية المتصارعة فيما بينها؛ ذلك الربيع الذي علّقت عليه في بداياته الشعوب المقهورة والمعرفيون التنويريون آمالاً في الحرية والتقدم والازدهار تطوي عصوراً من الظلام في ذلك الشرق البائس، لكن الآمال خابت وبقي الواقع كما هو ظلم وجهل ومعاناة.
 يستشهد الكاتب في عرضه لواقع ذاك الربيع في سوريا مثلاً بشيوع النزعة الطائفية والعرقية التي كنا خير شهود عليها إبان ما سمّاه بعض الحالمين بالثورة.
أمام واقع كهذا لابد من ثورة يحمل لواءها المعرفيون الذين عليهم أن يتخذوا من  الكتابة المسؤولة وسيلة لمواجهته وتغييره من خلال رسائل إنقاذ وإيقاظ إلى الشعوب التي تعرضت لعمليات غسيل أدمغة بوسائل ميكافيلية خبيثة، قام فيها رجال الدين بدور بارز، جاء في الصفحة 41 من الكتاب: ( فالسلطة قامت بتلقين بعض فئاتها حب التبعية والمحاباة، وكذلك عمدت عبر رجال الدين إلى جعل الطاعة العمياء للمرؤوسين من طاعة الرب ).
يتقاطع فكر الكاتب في حديثه عن سياسة السلطويين المستبدين مع أفكار الكواكبي الذي فضح ممارساتهم وطبائعهم قبل قرون، فيرى كما رأى الكواكبي أنّ السلطوي ( لا يلجأ إلى محاولات الإصلاح؛ لاعتقاده أن ذلك اعتراف مبطن بخوفه من الشعب ص 56 ).
يعطي الكاتب حيزاً كبيراً في كتابه للتطرف الذي يعادي كل نهضة اجتماعية معرفية صحيحة، فيستنطق التاريخ القريب الذي شهد مقاومة الكورد في سوريا والعراق لتنظيم داعش الإرهابي، انطلاقاً من حافز المعرفة المتجسد بوعي المقاتلين بسلبيات التطرف ونتائجه الكارثية على الإنسان وحياته، مؤكداً على تورط الأنظمة المباشر في إشاعة الإرهاب بقوله: ( فالأنظمة القمعية تهدد دوماً بأن بديلها هم الإخوان والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة ص 81 ).
ويرى الكاتب ارتباطاً وثيقاً بين العنف والمقدس، فيقول: ( ارتباط القداسة بالعنف يعتبر أصلاً للشرور، هذا الإيمان الأعمى وضع العقل في معتقل ص 101 ).
وكثيراً ما يعيد التاريخ يعيد نفسه حين لا نستفيد من دروسه؛ فانقسام الحركة الكوردستانية اليوم تكرار لانقسام الكورد قديماً بين الإمبراطوريتين المتصارعتين العثمانية والصفوية، الصراع السني الشيعي، والشعب الكوردي هو الضحية.
يرى الكاتب أن الأدب والفن إذا تحزّبا انفسدا؛ لأن الإيديولوجية والإبداع لا يلتقيان ( تفسد السلطة الحزبية الأدب والفن ص 110 ).
أمام واقع متشرذم كهذا يرى ريبر هبون أن الأدب وظيفته ردم الهوة الروحية بين الجماهير الكوردستانية وتوحيدها بعد عجز الأحزاب السياسية الكوردسانية في تحقيق ذلك. ( ص 111 ).
وفي الكتاب تمجيد للعقل والإنسانية في مواجهة العرق والقومية، فقد ورد في الصفحتين 120 – 121 قوله: ( الرابطة العقلية وليست الدموية هي التي تجمع المعرفيين والمبتكرين والأدباء والفنانين بعيداً عن العنصرية، إنها الرابطة المنتجة للإبداع والجمال والخير والحب، وتسعى لوضع الاقتصاد في خدمة الأمن والسلام بدلاً من الحرب والخصام في مختلف بقاع الأرض ).
ومن واجب المعرفيين أيضاً أن يعملوا على نشر القيم الإنسانية ويزرعوا بذرة النقد في العقول (  المعرفيون أقدر اليوم على تهذيب حالة الشره التي تعمي أبصار الناس وتحرض فيهم غريزة الاستحواذ والملكية من خلال زرع الخير وحب العمل في النفوس بدلاً من العنف والكسل... ومن خلال تحريض العقول على الفكر التحليلي القادر على النفكيك والشك بدلاً من العقل الكسول الراضخ للمسلمات والغيبيات التي يحرص على استمرارها كل من السلطة والإعلام التابع لها ص 123 ).
وتسود النزعة الإنسانية في الكتاب، فما من سلام بين الشعوب إلا بالمحبة والتعارف ( إن شوفينية القوميين وعنصريتهم جلبت الخسائر المتتابعة لأمم لن تنهض إلا بالمحبة والتعارف ص 133 ).
أخيراً فإن هذا الكتاب كتاب جدير بالقراءة، في زمن قلّ فيه من يكتب في مجال الفكر، وهو وإن كان يغوص عميقاً في الفكر فإنه يتجول أيضاً في عالم السياسة، ويفتح صفحات التاريخ، ويحتوي على رؤى فلسفية، ويحلم بمستقبل يتحد فيه ذوو المعرفة - أدباء وفنانين ومفكرين - لصنع عالم جميل يسوده السلام والخير بدلاً من الخصام والشر.

الجمعة، 5 يوليو 2024

دفاعاً عن الماسونية- ريبر هبون


دفاعاً عن الماسونية
*ريبر هبون
من يحاول فهم الماسونية والبحث عن حقيقتها لابد في البداية أن يتعثر بالكم الهائل من المغلوط والمضلل بخصوصها من هؤلاء الذين يشيطنونها وينسجون حولها القصص، الأساطير والخزعبلات المثيرة للضحك، ولطالما حاولت كشخص البحث عن حقيقتها بموضوعية حتى اهتديت مصادفة لكتابين وهما : "الحقائق الأصلية في تاريخ الماسونية العملية للكاتب شاهين مكاريوس" والكتاب الآخر بعنوان: " تاريخ الماسونية العام للكاتب جرجي زيدان" وقد قرأتهما بتأنٍ واستخلصت منهما بعض الحقائق والاستنتاجات، سأحاول على ضوء ما توصلت إليه أن أقدم تعريفاً للماسونية: " منظمةُ أخوية، سرية، خيرية، تعليمية بدأت بصورة عملية ، فراحت تشيد المعابد، الكنائس والأبنية الشاهقة بعد أن تم استقدام بنائيها لهذا الغرض،تدرجت في العهد المعاصر لتصبح رمزية ينضم إليها غير البنائين من رجال أعمال، كتّاب وفنانين ، حيث تتكون من محافل مستقلة عن بعضها بعضاً، ومراتبها 33 يتدرج من خلالها الماسوني رتبة رتبة ، ينشد الماسون للعدل، الإخاء، الحرية والمساواة وغايتها شريفة ولا تعنى بالسياسة ومشكلاتها ولا تجادل في الأديان والطوائف، حيث تتخذ لذاتها مساراً خاصاً بها وقد بدأت منذ 715 قبل الميلاد لغاية اليوم، أما بروز الماسونية الحديثة فبدأ في بريطانيا عام 1717م."
من خلال هذا التعريف كان ولابد من أن أبين لقارئ اليوم بعضاً من الحقائق التي تؤكد عظمة سير هذه الجماعة المنظمة تنظيماً دقيقاً ولعل سريتها وتنظيمها الدقيق كان وراء تعرضها للاضطهاد والملاحقة عبر العصور، سأبين هنا وفقاً للكاتب الماسوني جرجي زيدان حيث ذكر أقسام الماسونية ص25: "يقسم تاريخ الماسونية العامة إلى قسمين: قديم وحديث، أو ماسونية عملية أو حقيقية وماسونية رمزية.
وتاريخ الماسونية القديمة أو الماسونية العملية على طورين:
الطور الأول: الماسونية العملية المحضة من سنة 715 قبل الميلاد إلى سنة 1000 بعده.
الطور الثاني: الماسونية المشتركة: من سنة 1000 إلى سنة 1717 بعد الميلاد.
تاريخ الماسونية الحديث أو الماسونية الرمزية على طورين:
الطور الأول : من سنة 1717 -1783
الطور الثاني: من سنة 1783 ولايزال."
لقد ساندت الماسونية المسيحية في روما وتعرضوا إثر ذلك لموجات متلاحقة من العنف وبنوا المعاقل في الشرق ، في أنحاء فارس ، بلاد العرب وسوريا وكذلك بنوا المساجد في العهد الإسلامي، ذلك يؤكد حضورها في فترات مهمة من التاريخ، سأنظر هنا في باب القيم التي تحلق الماسون حولها منذ القديم ، المتعلقة بقيمة الإخلاص في احترام الله، القيمة التالية المتعلقة بالنفع للمحيط، وكتم الأسرار عمن هم من غير الماسون، والمواظبة على حضور الاجتماعات، ما لفتني في الكتاب هو علاقة بعض رجالات السلطة الإسلامية بالماسونية ومثالاً تلك العلاقة ما بين ريكاردس قلب الأسد والكوردي صلاح الدين الأيوبي: ص51
"ويستلمح من الحادثة المشهورة التي حصلت بين هذا البطل والسلطان صلاح الدين الأيوبي أثناء الحروب الصليبية في سوريا أن هذا الأخير كان على شيء من الماسونية، لأن المعاملة التي عاملها السلطان صلاح الدين لريكاردس كونه من أعداء وطنه ودينه لا يمكن أن تحدث إلا عن ارتباط داخلي أشد متانة من رابطة الوطنية ألا وهي رابطة الأخوية الماسونية والله أعلم."
-نظرة في الوصايا الماسونية:
سألخص قبل ختام مقالتي هذه، تلك الوصايا ، قديمها وجديدها والتي قد تبدو ناجعة مؤثرة وعلى درجة من الأهمية بمكان أن تساعد المرء في حياته وتجعله ينشد الطمأنينة والعدل ويضمرها في ذاته لتغدو من صميم معاملته ونظرته للحياة، النظرة لله كونه وعاء الحكمة الأزلية وعن مجاورة الحكمة والحكماء وتجنب الوقوع في الرذائل وعدم الأذى كون المرء لا يسمح له أن يقع ضحية أذى الغير له، إلى جانب التعامل الطيب مع الوالدين وكبار السن وحماية الأطفال وحب العائلة، وتجنب احتقار الآخرين ، اجتناب الشهوة والعبودية لها وطلب المعرفة، أما الوصايا الحديثة فهي تتعلق بالعدل ، الكرم، الرحمة،الصبر، المعروف، التواضع، التسامح،الخير، القناعة، لجم الشهوات، العفة، الإخلاص للوطن، طاعة السلطة الآمرة، الدفاع عن البلد، وإن تعرض المرء للإجحاف من بلده وأهل بلده والسلطة التي تحكمه فلا أفضل من أن يقابل المرء ذلك بالكثير من الصبر.
حيث ينص الدستور الماسوني على تقديم العبادة والإكرام لله مدبر الكائنات ومبدع الموجودات وحب الأقرباء وعدم فعل الشر وعمل الخير والالتزام بقواعد الدين واحترام ديانة الآخرين، عدم التملق وعدم الاكتراث للمديح المقدم فإنه يفسد الأخلاق واتباع نداء الضمير ومساعدة الفقراء والمحتاجين والتحلي باللين والعطف لا القسوة فالقسوة تجلب اللعنات، كذلك تجنب الشجار والشتائم وإكرام المرأة وإحسان المعاملة وكذلك النظر في المنصب إنه إما أن يزيدك شرفاً أو يلحق بك عاراً ،هذا متوقف على طبيعة السلوك الصادر عن ذلك الشخص ذوي المنصب، كذلك يدعو الدستور الماسوني إلى استقبال المعارف والتدبر والتفكر والعمل، فالأفعال العادلة تبعث على السرور بعكس الشريرة الباعثة على الغيظ ، احترام السلطة والحكومة والخضوع للشرائع واجبة على الفرد الماسوني وتجنب المجادلات في أمر الدين والسياسة للحفاظ على العلاقات ومساعدة الأخ وكتمان سره كتمانك لسرك، والفضيلة هو أساس كل فعل حسن يصبح المرء من وراءه قدوة للناس أجمع وهنا أصل لختام ما استخلصته في رحلة قراءتي لهذين الكتابين.
المصادر والمراجع:
-كتاب الحقائق الأصلية في تاريخ الماسونية العملية- تأليف: شاهين مكاريوس- مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة.
- كتاب تاريخ الماسونية العام- تأليف: جرجي زيدان- مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة

السبت، 29 يونيو 2024

مقدمة كتاب نقد السياسة الكوردية- غربي كوردستان أولا- ريبر هبون

مقدمة كتاب نقد السياسة الكوردية –غربي كوردستان أولاً
*ريبر هبون
إن هذا الكتاب ، نقد السياسة الكوردية (غربي كوردستان أولاً) امتداد طبيعي للأساس الذي قمت بتشييده وأعني به كتابي الفكري البكر (الحب وجود والوجود معرفة) ومن نقد وتعرية الذهنية الشمولية والإسلام السياسي وحقبة الربيع العربي وبعث الإنسان المعرفي، وحديثي عن الأنظمة والأحزاب الشمولية بشقيها المؤيد لتلك الأنظمة والمعارضة لها على ضوء الشرق الأوسط وكوردستان كان بمثابة تأكيد مستمر على ذلك التحلق حول إحياء الجثة المتفسخة غير القابلة للتحنيط وإعادة الإحياء وقد رأيت من الأهمية بمكان كتابة هذا الطرح أو الرؤية لتكون البديل لا أن أكتفي كما يفعل الكثير بالإدانة والشجب والتشخيص والشكوى تاركاً ذلك الفراغ المرعب يلف الأطلال، فلاشك أن الكثيرين يعرفون طبيعة تلك المشكلات ومصادرها ويبحثون عن علاج لتلك العلل أي لبدائل وإلا لن يغدو الحديث عن المشكلات إلا ضرباً من ضروب الثرثرة والحذلقة والدوران في حلقة فارغة كمن يبيع الماء في حالة السقائين، هكذا يفعل مريدو أحزابنا عندما يؤلفون الكتب ويكون محتوى تلك الكتب الطعن والتشويه وممارسة الكراهية للطرف الخصم لغاية فحواها التملق والتكسب،  فقد غدا الوطن عبارة عن طلل وقفار بسبب تلك الذهنية وكذلك هجرة العقول والشباب عامة من تلك البلاد بعد أن حاولوا باستماتة البقاء أو إحداث تغيير  دون جدوى ، ففي كتاب الحب وجود والوجود معرفة ركزت أكثر على الإنسان العاقل وضرورة أن يمارس ريادته في الوجود مستفيداً من تطورات العصر وكثرة وسائل الاتصال بالناس والتواصل مع الآخرين دون الحاجة للمرور من قنوات الأحزاب ورجال السلطة ، لكن هذا الكتاب مخصص لزاوية ارتأيت من خلالها على الانفتاح على الواقع الكوردي في غربي كوردستان رأيت في ذلك نجاعة وصوابية، من تقديم الرؤية العامة التي قد لا تصل للكثيرين، فهم يحتاجون من يضع الضماد فوق الجرح مباشرة دون الدوران حول الجرح بلا حقنه أو معالجته.
كتابي نقد السياسة الكوردية منفتح فكرياً على واقع غربي كوردستان ويقدم رؤيتي وطريقة فهمي للمعضلات القائمة وسبل علاجها، هذا الجزء المتمايز عن الأجزاء الأخرى والذي قدم طاقته البشرية الشابة لجنوبي وشمالي كوردستان انطلاقاً من حسها القومي العالي حيث لم يقابل ذلك الفضل بالكثير الذي قد يذكر من قبل قيادات وأقطاب الحركة الكوردية في ذلك الجزأين إنما ظلوا يتعاملون مع ذلك الجزء كملحق أو كحديقة خلفية أو مستودع للخدمات اللوجستية، فنرى الإنسان الروجآفائي قد فقد إحساسة بواقعه لتماهيه الكلي أو شبه الكلي بواقع الجزئين الجنوبي والشمالي من كوردستان فنجده مصاب بعقدة الدونية والانشغال الدائم بأن يلقى رضا واستحسان الجنوب فيطعم لهجته بألفاظ بهدينانية كما يفعل ذلك الميال للطرف الآخر فيتحدث لهجة كورد الشمال مطعماً إياها بمفردات تركية، لقد تقاسم الشعب حالة الولاء الأعمى حد التصوف وتماهى بسياسة الحزبين الديمقراطي والعمال الكوردستاني حداً فقد فيه الإحساس بواقعه وخصوصية الجزء الذي ينتمي إليه، فباتت تلك الساحة لتصفية الحسابات الحزبية وظلت مفرخة الإنشقاقات ولاّدة بالمزيد المزيد من الأحزاب والمشهد يعج بالضبابية والانفصام يوماً بعد يوم.
مما لاشك فيه فإن القومية حالة روحية لابد من وجودها فكما أن العربي يحلم بالوحدة العربية وذلك حلم مشروع إلا ان واقعه واقع قطري بحت حيث فشل البعث بشقيه السوري والعراقي بتحقيق شيء مما يناديه نظرياً بل بات خير وسيلة للبقاء على الكرسي فوق جماجم الشعب، ولن يتم جني كوردستان موحدة نتيجة واقع جيواستراتيجي تاريخي تم تثبيته بشكل يجعل وجود كوردستان موحدة بأجزائها الأربعة ضرباً من الوهم العقيم، لهذا الإبقاء على الحلم ضرورة وفهم خصوصية كل جزء عن الآخر ضرورة قصوى، بحيث على كل جزء من كوردستان العمل على بناء الاقليم الذي ألحق بالدولة حسب سايكس بيكو وإقامة شراكة جيدة بحدها الأدنى مع تلك الدولة دون أن تهدد سيادتها أو سيادة الجوار وتكون السياسة الكوردية متزنة واقعية دون أن تختلط  بالأحلام والآمال المعسولة، حيث لن ترى عربياً دمشقياً يبكي على الخرطوم ودمشق أمامه تحترق مثلاً ، إذ أن الانتماء الاقليمي أو القطري أقرب للمرء من الانتماء القومي العام، وعندما يهب حريق في منزلك ومنزل جارك وفي المنزل أطفالك فإنك أولاً تسارع بإنقاذ الأطفال من ثم منزلك وبعد ذلك إن تمكنت من إنقاذ الاثنين تهرع لمساعدة وإطفاء حريق منزل جارك كيلا يعود الحريق لمنزلك مجدداً، هكذا يمكن فهم خصوصية كل جزء من كوردستان وضرورة أن يهتم كل مواطن بجزئه دون نفي التعاطف أو المساعدة للجزء الآخر إن اقتضت الضرورة، فلا مزيد من القرابين لأجل كرمى عيون التناقضات الحزبية العقيمة، فكان من الأهمية أن أقوم بطرح هذا الإشكال للقارئ والأجيال القادمة لمحاولة إعادة الذاكرة لفاقد الذاكرة فلا مزيد من الخسائر بعد أن تم إخراج عفرين سري كانيه وكرى سبي من خارطة غربي كوردستان، وما يزال حال الأقطاب المتناحرة ضرب بعضها البعض دون تفكير بالغد والشعب ولقمته وضياع أبنائه.
هذا الكتاب يؤكد على الاقليمية كنزعة  سياسية واقعية لا تتعارض مع الحلم القومي العام بكوردستان واحدة موحدة ولا تقف بالضد من حق تقرير المصير المشروع وإنما الاقليمية منبثقة من فهم ملي للحاضر وتجارب الماضي وكذلك المستقبل غير المنظور. 
ولا أنحاز هنا كما يفعل البعض لأحد المشاريع الحزبية ليصب انحيازي في خانة الجهة التي أنحاز إليها ضد الجهة الخصم فلا أنوي الغرق في مستنقع الاصطفاف الحزبي الذي يعد طقساً قبلياً جاهلياً كان وراء غياب الفكر القومي أو التنظير له كون الحزب بات الوثن والغاية والوطن بذاته بدل أن يكون الوسيلة لصيانة روح الأمة ونهضتها. 
ولم أبين مثالاً تأييدي أو رفضي الكاملين في هذا الكتاب إنما غايتي أن يقرأوه الجميع ويلمسوا الموضوعية فيه ما أمكن كوثيقة تؤكد ولائي المطلق لجغرافية غربي كوردستان التي أنتمي إليها وأراها قلب الكردياتية النابض كما اعتاد القوميون العرب نعت سورية بقلب العروبة. 
أملي أن ألملم المتناثر بفعل تصدع الحركة السياسية الكردية وأوجه البوصلة باتجاه الوطن الذي تركناه خلفنا وصرنا نبكي أو نتباكى عليه.
سألجأ للنقد الحذر حتى تصل الفكرة فليس العبرة تجريح الأفراد أو الشخصيات أو الأحزاب وإنما العبرة الأكيدة تكمن في وضع النقاط على الحروف فالكثير يتعامل مع النقد من منطلق شخصي ويثير الزوبعة لمجرد تفسير يعكس نية الشخص الذي يرغب في الانشغال بالبردعة تاركاً الحمار. 
حينما سأضع أمثلة فإني سأشخص الحدث ليكون مثالاً وحجة لفكرتي اذ ليست الغاية تشهير أحد 
تجنبي يدخل في باب الحرص على حيوية الكتاب وطريقة ولوجه لداخل المتلقي بل وإشراكه في النقاش لتغدو الكلمة جسراً بيني وبينه ولكل مجتهد نصيب ولعلي سأسعد لمجرد أني قد حاولت ولندع النتائج تتحدث بعد ذلك.

الخميس، 20 يونيو 2024

الرواية القصيرة دروب من جمر لخورشيد شوزي أنموذجا- ريبر هبون

الرواية القصيرة (دروب من جمر لخورشيد شوزي –أنموذجاً)
*ريبر هبون
تمهيد:
اعتمد الكاتب على تقنية السرد المكثف والانتقال المكاني المتسارع إلى جانب خلقه لمساحات الحوار بين الرجل والمرأة، هكذا جعل روايته نشطة وحيوية، والشخوص بداخلها رشيقو الظل،السرد فيها متمايز بقلقه وإثارته لأسئلة وجودية فلسفية وقضايا شتى ، الرواية من القطع المتوسط صدرت عن دار النخبة المصرية ، عدد صفحاتها 130، وواضح من كلمة دروب أنه ركز على البعد المكاني ، رحلة الفرار، فرار اللاجئ من بلده المحترب ، وفرار المغترب نفسياً عن اغترابه، حيث بدأت الرواية  من خلال مصادفة جمعت رجلاً وامرأة، ص9 : " شاب أنيقٌ ووسيم يروح ويجيء خلف المرأة بخطوات صغيرة، ويستقر فجأة بجانبها من حقيبته الصغيرة:
-ثوبك جميل
-شكراً معطفك أنيق
-شكراً آمل أن تصل الطائرة في الوقت المناسب.
- الطائرة وصلت قبل ربع ساعة، ألم تر اللوحة الالكترونية هناك؟"
مستويات الحوار هنا رشيقة تواكب وصف الملامح النفسية والجسدية لتضفي على المشهد إثارة معينة وهذه نقطة تحسب لصالح الرواية ، عندما تخوض في  غرابة أطوار الشابين وانسجامهما الجسدي وتنافرهما السلوكي، من الواضح أن الحوار غلب على السرد في الرواية إجمالاً ، ميل الكاتب للثنائيات، جمالياً ممتع، فنياً له دلالاته التي تشير إلى إهتمام الكاتب بالتفاصيل ومحاولة فهم نفسية المرأة، مزاجها ، وميول الجنسين لبعضهما ومحاولتهما أن يلفتوا أنظار بعضهما بعضاً، ليديا ومارك يخوضان الكثير من المواقف والمسائل معاً وهما بالقرب من بعضيهما وعلى متن الطائرة، وظفهما الكاتب لطرق جملة من المعلومات والمسائل لاسيما تلك المتعلقة بطبيعة عمل مارك، ورغبته في النقاش وإقناع ليديا في بعض الأشياء المتعلقة بإضطرار اللاجئين للفرار من بلادهم.
لقد اختار الكاتب خورشيد شوزي هذا النمط من الكتابة التي تتوسط القصة والراوية أي ما نعدها بالرواية القصيرة حسب المتفق عليه اصطلاحاً  متداولاً تبعاً للموضوع الذي استعرضه، عرض المتقابلات ما بين عدة حيوات لعدة شخوص يختلفون في الجغرافيا والرؤيا ونمط الحياة حيث اختار لكل منهم درباً من جمر.
تميزت الراوية بالحوارات الكثيرة والسرد الرشيق البعيد عن الرتابة، حيث يتخلل الحوار الرغبة، المنطق والتصارع فيهما بينهما وكذلك الولوج للكنه، الابتعاد عن السطحية، حيث أجاد الكاتب استنطاق مرح الأنثى ورغبة الشباب المتقدة في عيش اللحظات الحميمة ما بين طلبها أو الترفع عنها، لم يك ثمة من بطل رئيسي في الرواية وإنما أبطال ولم تك ثمة من مركزية تلتف حولها الرواية بأسرها وإنما كانت ثمة ثنائيات تتحدث، كذلك احتراف تصوير اللقطات الحميمة وهذا يجعل الرواية تمد فرعها باتجاه الرومانسي الذي يسبر الأغوار في الامتزاج الغرائزي بين الجنسين ص43 : "يقوم كل منهما بتغيير  ملابس الحفل ويدخل مارك عرفة ليديا ليجدها لابسة بيجاما أنيقة حمراء اللون ضيقة على مقاس جسمها الرقيق، لتظهر بعضاً من مفاتن مؤخرتها المكورة الصغيرة ونهديها بارزي الحلمتين تحت القميص الرقيق وشعرها المنسدل على كتفيها بطياته الذهبية الممتزجة بضوء المصباح في لمعانه."
الرواية القصيرة بإمكانها مجاراة طبيعة العصر الذي نعيشه ، عصر يتسم بالسرعة والاختصار والاقتصاد اللغوي، حيث بات المتلقي أو القارئ ميالاً فيه للكتب القصيرة التي تحوي الزبدة بعيداً عن الحشو، التكرار واللغة الغامضة المعقدة ، بات القارئ يبحث عن المقتضب والمملوء بمادة معرفية لا تخلو من الإثارة والتحفيز، وإلى ذلك فليتنافس المبدعون ،سيان في أي مجال أو في أي فرع فيه يبدعون.
هنا تأخذني رواية خورشيد شوزي إلى ضرورة إفراد مساحة وقتية لفهم الطبائع الإنسانية وبلاشك أن الراوية القصيرة ستصبح متداولة أكثر على المدى القريب كونها تستجيب لعامل الوقت وكثرة الأعباء الملقية على عاتق الفرد المتلقي في ظل سعار المنظومة الإستهلاكية ونهشها لمفاصل حياتنا، حيث يقدم الكاتب مادة معرفية ، فنراه يخوض في بعض الأسماء الثقافية التي يضمنها على هيئة حوار ص56 : "كونراد ولد بالقرب من مدينة زوريخ السويسرية، ولكنه يعتبر في عداد الكتاب الألمان، عاش وفكر وكتب معتمداً الثقافة السويسرية الخليطة من الألمانية، الفرنسية والإيطالية ، كان شديد الإعجاب ببسماك ومن أبرز أعماله : "ثورة في الجبل" و " إغواء باسكارا ". "
الدرب الأول بدا حافلاً بالحب الإثارة ، الضحك ودقات القلب على وقع سيمفونية الحب ، تأكيداً على أنه من الضروري جداً أن يختار الكاتب بداية قوية مشوقة مفعمة بالإدهاش عندما يشرع في كتابة الرواية، أياً كان نوعها، شكلها ولاسيما عندما تكون الرواية قصيرة ، لا ينبغي أن يهدأ ذلك التشويق وإلا فإن القارئ سيغط في نوم عميق أو يقرر عدم إكمال الرواية، حيث تصلني كناقد العديد من الأعمال فاقدة الإثارة أو الفكرة من أصدقاء أو من أصدقائهم لأبين رأيي بها وأشعر بإحراج عندما يعود إلي الكاتب ليسألني فيما إن كنت قد قرأت كتابه أم لا وهذا يحدث في ظل وسط اجتماعي شرقي محفوف بالمجاملات، حيث انحياز المؤلف وشغفه الزائد بما يكتبه دون أن تسترعيه فكرة أن الآخرين لهم آرائهم وانطباعاتهم فعليه أن يستعد إذن لسماع تلك الآراء على تباينها ويأخذها في عين الاعتبار بمعزل عن محتواها ، وهنا يتباين كتّابنا في ردود أفعالهم تجاه نقد النقاد أو غير النقاد، فمن كاره للنقد ومحب للثناء ومن مدعٍ حبه للنقد والنقاد وممتعض من آراء لا تروقه، وهنا يجد الناقد صديق ذلك المؤلف، نفسه في موقف لا يحسد عليه، فإما أن يستمر في المواربة وخداع الكاتب كي تستمر صداقته به ولا تشوبها شائبة النقد، أو أن يصارحه بضرورة أن يقرأ أكثر أو يتأنى أي يعد للعشرة قبل التفكير بطباعة مخطوطه.
لنعد للرواية القصيرة من حيث كونها كما أسلفنا طرحاً عصرياً أكثر قرباً من متطلبات الحاضر، لقد أتقن الكاتب بناء السرد والحوار أكثر في القسم الأول من روايته أي الدرب الأول، راوياً بحذق وأناة تفاصيل نمو العلاقة الحميمة بين ليديا ومارك اللذين ذهبا معاً لإسبانيا في إجازة وعادا منها ببداية حب هادئ ومثير، أما الدرب الآخر فمغاير تماماً وتخلله استهلال لم يكن له من داعٍ فقد أضفى على الدرب الثاني نوعاً من الرتابة.
خلاصة: -
تجربة خورشيد شوزي هي الأولى في ميدان الرواية وقد تمكن من الإدهاش وتحقيق الرسالة المرجوة من عملية الكتابة، وفي هذا الفضاء الكتابي عبّر عن رغبة عميقة في الولوج للذوات بغية فهمها من خلال وضعه مقارنة جلية بين عوالم شرقية وغربية تلتقي في نهاية الرواية من خلال مشروع الإندماج والتعاطف مع الهاربين من شبح الحروب والأزمات في بلادهم.

الأحد، 2 يونيو 2024

ملامح الاغتراب في رواية وشمس أطلت على ديارنا الغريبة- للكاتبة يارا وهبي-ريبر هبون


ملامح الاغتراب في رواية "وشمس أطلت على ديارنا الغريبة" للكاتبة يارا وهبي
*ريبر هبون
بدأت الرواية هادرة في حزنها، تقيم حراكها الصاخب في الأعماق لأول وهلة تجول به عين القارئ بعد إطالة نظره في العنوان، حيث الاغتراب الذي يلف الشمس أول بزوغها لتصادف المتاعب والأهوال في ظل بلاد أقام فيها شبح الاستبداد واتكأ على كرسي البؤس فوق جماجم حلمت بالوثوب وانتفضت حتى وجدت نفسها في نهاية المطاف بهيئة تلك ص10 :" مشت ومشت دون أن تدرك أنها تدوس على الجثث، ثم هبت رياح قوية فرفعتها عالياً إلى السماء، فرأت الشاطئ والبحر وحتى السماء مملوءة بالجثث، جثث شكلت الخريطة وما الخريطة إلا سوريا."
تحول أهل الوطن الغريب إلى لاجئين وشرذمة متفرقة متعبة ومنهكة في البلد الجديد والكاتبة حولت روحها حبراً يستصرخ الكون الذي ألقى بها كرواية، فترويها ببطء الذي يتنفس بالكاد وقد خرج من غرق محتم، من خلال الرواية أمكن للقارئ الولوج لمعاناة الجماعة عبر بوصلة الفرد، والعلاقة بين الفرد والمجتمع توأمية تتسم بتعقدها ورحابتها بخاصة إذا لمسنا من الفرد المرهف ذلك الانفتاح الرحب على محيطه، طفولته ونشأته ، احتكاكه بالأخرين وتطوره العضوي والنفسي في ظل التنقلات والرواية تجعلنا نتعلم عندما تشعرنا بالألم عبر سماعنا لآلام الغير،حيث تنشغل الروائية يارا وهبي بالتفاصيل المتعلقة بنفسية الشخصيات وانطباعاتها والحنين الذي تشبعت به، كذلك صلة المهاجر الجديد بأبناء البلد الجديد الذي وفد إليه، تعرفه على تاريخهم ، حروبهم وقضاياهم، هذا الاندماج وضعه أمام عالم آخر رحل إليه هرباً بل تهرباً أحياناً من عالمه الموحش المقفر.
ما يؤرق الكاتبة هو مد الجسور بين الثقافات وتجارب الشعوب على مبدأ شعبي بسيط التعرف على مصائب الغير تجعل مصيبتك تهون في نظرك، ص 24 : " تركت جدتي المنزل وانطلقت عابرة الشارع إلى محل الألبان القديم، المحل الذي كافح زوجها للإبقاء عليه واضطر من أجل ذلك إلى إثبات آريته بكل الوسائل للمخابرات الألمانية قبل الحرب."
الاغتراب السوري يعبّر عن نفسه على هيئة مجتمعات منقسمة عانت الأمرين تحت ضغط تعاقب النظم الديكتاتورية القومية عليها فجعلت أفرادها، شرائحها ومكوناتها متباعدة متنافرة كالخرزات المتناثرة، لهذا تأخذنا الرواية إلى محطة من محطات ذلك الاغتراب الذي يلخص غربة الفرد داخل مجتمع مغترب نفسياً وجسدياً، من تجلياته رغبة أبو جابر بأسلمة توماس الألماني المتعاطف مع تلك العائلة السورية، ص58 : "فاللمرة الأولى قرر توماس أن يصوم رمضان مستأنساً بالمسلم الوحيد الذي يعرفه وقد خصص لهذا الرمضان الأول واجباً مقدساً وهو حفظ القرأن بين يديه، بينما يجلس توماس أمامه مغمضاً عينيه مردداً ما حفظ وفي كل مرة كان يحدث هذا كان توماس ينتظر أبا جابر كي يصحح له أخطائه في طريقة التلاوة أو تشكيل الحروف."
الإبنة تقول في سرها: " ليتنا مثل الألمان، يصادق الأب ابنته دون حرج أو عيب، كنت سأتجرأ على إخباره بما يسبب لي الحجاب من معاناة وألم."
هنا تنتقل يارا وهبي لموضوع الاندماج والتأثر بالمحيط الذي تحاول الإبنة أن تجاهر به لأبيها، الحالة التي تعتري ديالا الواقعة في غرام الشاب الألماني، أما أم جابر ص62 : " قررت أم جابر مغادرة المدينة الصغيرة بعد أن اعتادت ما يقدم لهم بالمجان، ولم تلفتها نظافة الطرق ولا انضباط الألمان."
تعاني الشخصيات من حالة الصراع الداخلي الذي يتجلى بشكل أو بآخر في الاحتكاك بالبعض أو الآخرين، ذلك التأثر والتأثير بات سجالاً عاماً إذ يتغير المجتمع الأصلي بوفود الآخرين على الهاربين من الحروب ومشاكل بلادهم الداخلية، ذلك جعل وسائل الإعلام الأوروبية وكذلك الساسة في حالة من تنافر أو انسجام بين من يرى الاندماج قوة للبلد أو خطراً على ثقافتها، حتى ذلك الوافد بات يخشى على أولاده ومحيطه الأسري من الضياع والانصهار والابتعاد عن الموروث الجمعي، مجتمع الحرب يعيش آثار القصف والدمار من خلال التفكك الأسري وتباعد الرجل والمرأة عن بعضيهما، ذلك التفكك قوبل بالمزيد من العنف والاحتقان، ناهيك عن ذلك التفكك السياسي وأزمات الاندماج التي يعانيها الوافد والمستقبل على حد سواء، تفصح الرواية عن تلك الأورام الاجتماعية وعدم التكيف والتأقلم بخاصة فئات كبار السن، الحوار في الرواية أخذ منحى درامياً عميقاً يغوص في النفسية التي تتم معالجتها من خلال جلسات طويلة يتخللها ذلك الحوار: ص107 : " بلى سنسرق لها ظلها كما سرقنا لك ظلك، فأجابه: لن تستطيع ، ظل حنين داكن وقوي."
إن عالم الرواية بالمجمل غائص في الدراما الإنسانية المشغولة بسبر الطبائع من وجهة نظر نفسية دون الدخول لأي حدث متعلق بالتشويق والإثارة وإنما بشخوص وفدوا إلى عالم مختلف وهم يعانون من تبعات الحرب الداخلية السورية وحالة الاحتراب والتنازع المزمنتين واللتين خلقتا شرخاً كبيراً من الصعب أن يلتئم، ص159 : "الشرق هو الشرق حروب ونزاع طوائف وديكتاتوريات."
-خلاصة:
رواية تخوض في الحياة من خلال نظرة اغترابية تتوسط السوداوية والأمل في حياة بديلة، إنها تلخص اغتراب كل مكونات بلد منكوب، انسلخ فيه إنسانه قسراً من منبته، حيث تنتقل يارا وهبي من اغتراب لآخر باحثة عن ذاتها الأساسية في خضم محيط مكتظ بالأحداث والأهوال والبؤس وسوء الطالع، لسان حالها حال كل الذين يحاولون جمع ما تكسر فيهم عنوة، هذا التكيف الذي ينشده الوافدون الجدد محفوف بالعثرات والمصاعب، وكلا الطرفين الوافد والمستقبل يتخوفان من عودة التنازع والقوموية اليمينية بمعناها الرافض للديمقراطية والحياة التشاركية.
إنها الرواية الأولى للكاتبة ولابد من تتمة لهذا الوجع الذي يلخص حال المجتمع المنقسم على نفسه والمتشظي في البلاد الجديدة، فأوروبا الحلم ليست كما ينشدها البعض على الواقع، حيث ذلك التغيير الديمغرافي خلق نمطاً جديداً من الحياة على وقع آثار الحروب والنزاعات المتفاقمة من بلد إلى بلد وهنا تقف الرواية بالمنتصف من كل شيء لتعاين تلك الحياة على طريقتها.

حول رواية مدرسة الثراء يليق بالنساء لرباب الناجي- ريبر هبون

"حول رواية مدرسة الثراء يليق بالنساء لرباب الناجي"   *ريبر هبون   في مطلع الرواية بدا السرد مكتظاً بالغموض ب...